التاريخ
تاريخ الإدارة الإستراتيجية
ترجع جذور كلمة الإستراتيجية إلى أصل إغريقي يعني: فن الحرب. نُقل هذا المصطلح إلى حقل الإدارة بمعنى: فن الإدارة أو القيادة مع النظرة طويلة المدى. بدأ تطبيق مفهوم الإستراتيجية في ميدان الأعمال عام 1951 عندما أشار نيومان إلى أهمية الإستراتيجية في التخطيط للمشروعات الاقتصادية. في الستينيات وُضعت الأسس لمفهوم التخطيط الاستراتيجي، حيث احتل الباحث لاندروز مكانة بارزة في تشكيل حقل الإدارة الإستراتيجية، وقد ساعده في ذلك كتاب آخرون، مما أدى إلى ظهور نماذج ناجحة، في مقدمتها منظومة جماعة بوسطن الاستشارية ومنظومة جنرال إليكتريك ونموذج ماكينزي.
لاحقًا في مطلع الثمانينيات قدم مايكل بورتر نموذجه، حيث اهتم بتحليل الميزة التنافسية والاستراتيجيات التنافسية التي تسعى إلى تحقيق الميزة التنافسية المتواصلة. ثم في بداية عقد التسعينيات ظهرت مفاهيم جديدة مثل مفهوم الكفاءة المحورية، والمنافسة على القدرات، ومدخل الموارد، وغيرها، وقد غيرت هذه المفاهيم الجديدة اتجاهات تطبيق الاستراتيجيات في الأعمال، من خلال التركيز على المهارات والموارد التنظيمية، وعلى كفاءة الإدارة في إدارة وتوجيه تلك الموارد.
إذا أردنا تلخيص التطور التاريخي للتوجهات الإستراتيجية في إدارة الأعمال، يمكن عمل ذلك من خلال عرض المراحل الأربع الآتية:
- المرحلة الأولى: التخطيط المالي الأولي: حيث تضع الإدارات أهدافًا مالية محددة وتخصص الموارد المادية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. يتم ذلك في ضوء التحليل لبيئة واضحة إلى حد ما تتوافر فيها الموارد بسهولة، وعادة ما تكون قدرة المؤسسة على متابعة الأحداث جيدة. مع تذبذب الطلب على المنتجات اليوم فإن هذا الأسلوب لم يعد كافيًا للتعامل مع الأحداث والتغييرات السوقية، وتطلب الأمر تطوير وسائل جمع المعلومات من البيئة الخارجية.
- المرحلة الثانية: التخطيط القائم على التنبؤ: أصبحت الإدارات في هذه المرحلة أكثر اهتمامًا بجمع معلومات للتنبؤ بالأحداث لفترة زمنية قد تمتد لثلاث سنوات أو أكثر، مع تأثير هذه المعطيات في الأنشطة الإدارية وأساليب تحديد الأهداف في المؤسسة لأفق زمني متوسط أو طويل.
- المرحلة الثالثة: الخطط الموجهة خارجيًّا (أو التخطيط الاستراتيجي): مع كثرة الأحداث والاضطرابات البيئية وندرة الموارد واشتداد المنافسة حول العالم، فإن إدارات المؤسسات وجدت نفسها مجبرة على البحث عن بيانات ومعلومات حول متغيرات البيئة الخارجية بصورة أكثر عمقًا. في البداية ازداد أفق العملية التخطيطية من الناحية الزمنية ليُظهر التخطيط بعيد الأمد، ثم بعد ذلك بدأت تظهر أحداث لا تنبع أهميتها من الأفق الزمني بقدر ما تتطلب التركيز على العوامل الضرورية للنجاح أثناء التغيير، فتبلورت تبعًا لذلك مفاهيم التخطيط الاستراتيجي الذي استفادت منه المؤسسات كثيرًا في الخمسينيات والستينيات ولا تزال.
- المرحلة الرابعة: الإدارة الإستراتيجية: لم تعد العملية التخطيطية وحدها كافية لإدارة مؤسسات الأعمال في عالم اليوم، فتم إيجاد الإدارة الإستراتيجية التي تتجاوز العملية التخطيطية لتصبح هذه العملية جزءًا منها ومكملة لمفاهيم عديدة مثل استخدام الموارد النادرة، وصنع المميزات التنافسية، وتفعيل ثقافة المؤسسة. وقد تراكمت مجمل هذه المعارف لتشكل إرثًا معرفيًّا هائلًا تستفيد منه إدارات الأعمال في عالم اليوم فيما يسمى بالإدارة الإستراتيجية.
أما إذا رجعنا إلى الأصول الحقيقة فتجب الإشارة إلى أن فكرة التخطيط على المدى الطويل قد ظهرت منذ تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة على يد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، حيث حدد الأهداف وأولوياتها، والاحتياجات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف وفقا للتعاليم التي جاءت بها الشريعة السمحة، فتم حصر الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة آنذاك للعمل على استكمالها من أجل تحقيق أهداف الدولة الناشئة.
بناء عليه يمكن القول بأن إدارة الدولة الإسلامية كانت تتم بأسلوب علمي وموضوعي، بأخذ الأسباب لمواجهه توقعات المستقبل، ولقد كان التخطيط آنذاك شاملًا لمجالات الحياة كافة. وحيث إن التخطيط الاستراتيجي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبيئة الخارجية وخصوصًا الاجتماعية، فقد تميزت نظم التخطيط والحكم في الإسلام بالاستقرار؛ لأنها نظم شرعية وعادلة، فنتج عنها الاستقرار والوضوح للخطط وسهولة تنفيذها.
المصدر: موسوعة ابن عادل