الرقابة علي تنفيذ الخطة الاستراتيجية
الرقابة الاستراتيجية
في أي عمل بشري لا يمكن تفادي حدوث تقصير أو خطأ، أو ربما حدوث متغيرات خارجه عن الإرادة قد تؤثر سلباً على العمل، ولا يختلف عن ذلك التخطيط الاستراتيجي فهو بالنهاية عملية بشرية، وتعد مرحلة تنفيذ الخطة الاستراتيجية على أرض الواقع هي المرحلة التي تظهر فيها التحديات والعراقيل والأخطاء والتقصير الذي قد يحرف أنشطة المؤسسة عن أهدافها الاستراتيجية، ولذلك من المهم الاستمرار في مراقبة هذه الأنشطة وتصحيح مسارها كلما لزم الأمر ذلك في عملية تحسينية وتطويرية مستمرة، وهي ما يطلق عليها الرقابة الاستراتيجية، وهي جزء مهم من مكونات الإدارة الاستراتيجية بعد مرحلة إعداد الخطة ومرحلة التنفيذ.
ويعرف البعض الرقابة الاستراتيجية بأنها “نظام للتعرف على مدى تنفيذ استراتيجيات المؤسسة، أي مدى نجاحها في الوصول إلى أهدافها وغاياتها، وذلك من خلال مقارنة ما تم تنفيذه فعلاً مع ما هو مخطط، وتطوير الأداء بما يمكن من تحسين قدرة المؤسسة على إنجاز غاياتها وأهدافها“، ويعرفها آخرون على أنها “اختيار للاستراتيجية التنظيمية وبنائها، وخلق لأنظمة الرقابة من أجل التوجيه والتقييم “.
ومن هذه التعاريف يتبين أن إنشاء نظام للمتابعة والرقابة فعال يتطلب توفر معلومات دورية عن وضع الخطة الاستراتيجية، والتي بناء عليها يتم اتخاذ قرارات التحسين او التطوير، وكلما كانت هذه المعلومات دقيقة كلما كان تشخيص الوضع أفضل وبالتالي العملية التحسينية او التطوير تكون أكثر فعالية، على ان يكون الهدف من ذلك إعادة توجيه عملية التنفيذ باتجاه تحقيق أهداف الاستراتيجية ورؤية المؤسسة.
مستويات الرقابة الاستراتيجية
النظام الإداري الذي يتحمل مسئولية التخطيط الاستراتيجي لابد أن يشمل أيضاً وحدات رقابة استراتيجية تنقسم مهامها الى:
الرقابة الاستراتيجية: هي الرقابة التي تتابع تطبيق الخطط الاستراتيجية بشكل عام، وتجتهد لتوجيه عناصر العمل الأساسية والتنظيمية لدعم التوجه الاستراتيجي للمؤسسة، وهي مسئولية الإدارية العليا.
الرقابة (التكتيكية) المرحلية: هي الرقابة التي تتابع تنفيذ المشاريع والمهام المرتبطة بتحقيق أهداف مرحلية، وهي تدار من خلال خطة العمل السنوية وتتوزع مسئولية تنفيذها على قطاعات ووحدات العمل المختلفة في المؤسسة.
ومن المهم اختيار نوعية الرقابة المناسبة لكل نشاط أو مهمه، وعملية الاختيار ذاتها تتطلب جهداً فكريا وخبرة عالية، وبعد ذلك من المهم وضع الآلية التنظيمية التي تضمن تنفيذ العملية بكفاءة والحصول على نتائج واقعية ودقيقة، فاستثمار المؤسسة وربما مستقبلها يرتبط بنجاحها في تحقيق أهداف استراتيجيتها، ومن أهم مقومات هذا النجاح هو وجود رقابة استراتيجية فعاله.
بشكل عام الرقابة الاستراتيجية هي جزء أساس من دورة التحسين المستمر أو دورة (ديمنغ) نسبة الى العالم الأمريكي الذي ابتدعها، التي تبدأ بالتخطيط ومن ثم التنفيذ وبعد ذلك يأتي دور القياس ومن ثم التحسين والتطوير، وهذه الدورة هي أساس معظم نظم ونماذج الجودة الحديثة وتطوير الأداء المؤسسي بشكل عام.
مراحل الرقابة الاستراتيجية
تتفاوت متطلبات الرقابة الاستراتيجية حسب مدى حجم وطبيعة وتعقيد ما يراد مراقبته ضمن المشروع الاستراتيجي، إلا انها جميعا يجب أن تمر بالمراحل الثلاث التالية:
1- وضع المقاييس (Measures)
2- قياس الأداء (Performance)
3- اتخاذ الإجراءات التصحيحية (Correction)
أولا: وضع المقاييس
سواء على المستوى الاستراتيجي أو على المستوى التشغيلي (التكتيكي) لابد من وضع المقاييس التي تحدد النجاح من الفشل في تحقيق الأهداف بوضوح، فعلى سبيل المثال: لو وضعت شركة هدفاً لها تحقيق صافي ربح سنوي قدرة (20%) من قيمة رأس المال، وحققت فقط (15 %)، فعلى الرغم من أن الشركة لم تخسر ولكنها استراتيجياً لم تحقق النمو الذي كانت ترغب فيه، وبالتالي فإن ذلك الهدف نتائجه سلبية.
فالمقاييس هي أداة مهمة لبيان متى الالتزام في تحقيق متطلبات الخطة الاستراتيجية، ودليل على الانحرافات في التنفيذ التي يجب معالجتها أول بأول، وهناك بعض الاعتبارات والضوابط التي لابد من مراعاتها عند تصميم مقاييس الأداء وهي:
1- استراتيجية (Strategical) : أن تدعم تحقيق هدف استراتيجي للمؤسسة
2- الموضوعية (Validity) :أن تكون ذات علاقة مباشرة بالعمل وتشير الى متطلبات النجاح فيه.
3- الموثوقية (Reliability) : غير مرتبطة بعوامل أخرى تأثر في النتائج، فمستوى كفاءة المدرب في الدورة التدريبة يجب ان لا يقاس بعدد المشاركين في الدورة.
4- التمييز (Discrimination) : أن لا تعطي نتائج عامة ولكن دقيقة وتبين بوضوح مستوى النجاح.
5- عملية (Practicality) : أن لا تكون معقدة بحيث يصعب متابعتها عملياً.
فتحديد المقاييس بدقة في كل مجال يسهم في فاعلية العملية الرقابية الاستراتيجية، ولذلك من المهم أن يتم وضع هذه المقاييس بعناية تامة ومتابعة فاعليتها وتطويرها باستمرار أو حتى تغييرها لو تطلب الأمر ذلك.
مؤشرات الأداء الأساسية
نظرياً يمكن وضع مقاييس لجميع الأعمال التي تقوم بها المؤسسة لأنها جميعا يجب أن تساهم في تحقيق الاستراتيجية، ولكن قد يكون ذلك ليس عملياً ويتطلب موارد عالية ووقت كثير، وبشكل أكيد أن ليس كل الأعمال لها نفس المستوى من التأثير على الاستراتيجية، ويعتمد ذلك كثيراً على طبيعة المؤسسة وتوجهها الاستراتيجي، ولذلك يتم اختيار الأعمال التي تحقق أهدافاً ذات تأثير استراتيجي مباشر ويتم التركيز عليها وإتقان إدارتها ويطلق علي مقاييسها مؤشرات الأداء الرئيسية -(Key Performance Indicators) ، واختصار. (KPIs) فبواسطة عدد محدود من المؤشرات الهامة يمكن متابعة المسار العام للاستراتيجية ومدى تحقق أهدافها.
وهناك العديد من الأساليب التي تستخدم لوضع مؤشرات أداء فعالة، وبشكل عام فإن هذه المؤشرات تشمل نوعين من المقاييس: النوعي (Qualitative) والكمي (Quantitative)، ويختلف الاثنان باختلاف المعلومات التي يتعاملان معها، فالمؤشرات النوعية هي التي لا تتضمن دلالة رقمية كرأي العملاء في منتج ما، أما المعلومات الكمية فهي محددة رقمياً كعدد الزبائن المستفيدين من خدمة ما، واستخدام أي منها يرتبط بنوعية القياس والهدف منه والمهم أن يكون ذو فاعلية في قياس تطور النشاط او العمل باتجاه تحقيق الهدف.
بالإضافة الى ذلك فان اختيار توقيت القياس المناسب مهم جدا لضمان الحصول على بيانات ومعلومات دقيقة وتعكس الواقع الحقيقي للنشاط.
ثانياً: قياس الأداء
في هذه المرحلة من الرقابة الاستراتيجية يتم مقارنة الأداء الفعلي الذي تم قياسه مع الأداء المخطط له لتحديد فيما إذا كان هناك تطابق بينهما أم هناك اختلاف، وتحديد الفجوة بينهما، والعمل على سد هذه الفجوة بعد معرفة المتغيرات الداخلية والخارجية المتسببة في هذا الحيود عن المخطط.
ويختلف تنوع وحجم البيانات والمعلومات المجمعة في عملية القياس حسب نوع العمل أو النشاط وحسب وتيرة القياس، فمثلا: مؤشر يتطلب عمل استبيان لأخذ رأي سكان مدينة ما عن موضوع ما سينتج عنه حجم كبير من البيانات، أما لو كان المؤشر يتطلب معرفة نمو العائدات الربع سنوية لشركة ما فان كم البيانات المحصلة قليل، وهذه الكثرة أو القلة لا تعكس أبدأً أهمية المؤشر ومدى تأثيره الاستراتيجي.
ومن أهم مراحل عملية القياس هي معالجة البيانات والمعلومات المجمعة، سواء كانت كمية أو نوعية، ففي هذه المرحلة يتم استخدام العلوم الإحصائية والوسائل التقنية الحديثة وذلك لفهم العلاقة بين هذه البيانات واستنباط نتائج تدل على إيجابية أو سلبية هذه النتائج، واكتشاف القصور أو الانحراف في تحقيق الأهداف المرحلية وسبب ذلك، بما يوفر معلومات حول كيفية معالجتها وإعادة توجيهها نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية بالتالي رؤية المؤسسة.
ثالثاً: اتخاذ الإجراءات التصحيحية
العملية الرقابية المستمرة تضمن عدم ضياع استثمارات المؤسسة في أنشطة وأعمال دون الحصول على نتائج، فالاستراتيجية تهدف بالأساس الى توجيه كافة الجهود نحو هدف مشترك وهو نجاح المؤسسة، ولذلك في حال ثبوت إنحراف عمل أو نشاط عما خطط له مسبقاً من المهم أخذ خطوات تصحيحية بأسرع وقت والحد من الخسائر في الوقت و الموارد، وأول خطوة في هذا الاتجاه هي بالبحث عن الأسباب التي أدت إلى الانحراف من خلال تشخيصه من جوانبه المختلفة بتجرد وبإسلوب علمي معتمدين على الأدلة والحقائق وليس الانطباعات او الافتراضات
في هذه المرحلة تتم الاستفادة العملية من نتائج عملية القياس، فأن كانت نتائج القياس سلبية وهناك قصور أو حياد عن الهدف، فهي جرس إنذار تتدافع نحوه وحدة العمل المعنية لاستقراء المعلومات والبيانات المرتبطة بالمؤشر لاستنباط أسباب هذا القصور او الحياد، والتفكير بشكل جماعي في كيفية تقويم هذا الخلل بأسرع وقت وأقل تكلفة.
ومما يرفع من مستوى الاستعداد لمواجهة أي احتمالات مستقبلية هي أتباع أساليب إدارة المخاطر (Risk Management) ، حيث يتم الاستعداد للمخاطر المتوقعة مسبقاً وبذلك تكون ردة الفعل التصحيحية أسرع، وتتحول العملية التصحيحية (Corrective) الى عملية تحصينيه (Preventive)، وهذه العملية.
وفي كثير من الحالات حتلا لو لم يكتشف أي انحراف في المؤشرات ولكن ما تم معالجته ودراسته من بيانات قد تكشف عن فرص تحسينية وتطويريه إذا ما تم تطبيقها ترفع من مستوى تحقيق الهدف المنشود سوء بالقيمة او بالسرعة او بغيرها من الفوائد حسب طبيعة العمل أو النشاط.
هذه العلمية التصحيحية أن تمت بفاعلية وباستمرار فان ذلك ضامن لتحقيق الأهداف المخطط لها خاصة تلك المرتبطة بتحقيق أهداف استراتيجية.
السياسات والإجراءات
كما أتضح حتى الأن أن عملية الرقابة الاستراتيجية هي عنصر مهم من عناصر الإدارة الاستراتيجية، وهي الوسيلة الفعالة لضمان سير العملية الاستراتيجية بالمسار الصحيح نحو تحقيق رؤية المؤسسة المستقبلية. ولذلك من المهم ضبط هذه العملية من خلال وضع سياسات وإجراءات عمل مناسبة تحكم تنفيذ مراحل وخطوات هذه العملية بشكل منظم ولا يخضع للأهواء الشخصية.
وهنا يأتي الدور المهم لأداره المؤسسة لتفعيل أدواتها الإدارية من خلال وضع السياسات والإجراءات، وذلك لرفع مستوى التنسيق بين وحدات العمل المختلفة وتوجيهها لوضع إجراءات عمل تحكم عملية وضع مؤشرات الأداء وآلية القياس وتحليل البيانات ورفع التقارير بالنتائج، وكذلك وضع التوصيات التحسينية المناسبة وتنفيذها، وقبل ذلك تصدر الإدارة العليا سياسات وقرارات تنظيمه تحدد المسئوليات حسب التخصصات وحسب متطلبات عمل كل وحدة إدارية، فالهدف هو خلق نظام إداري يعمل بصورة فعالة لتحقيق النتائج المرجوة من عملية الرقابة الاستراتيجية.
وقد يتم ذلك من خلال تبني نظم إدارية متكاملة كنظام إدارة الجودة QMS، فبتطبيق هذا النظام الذي يشمل معايير لضبط الأداء والتحسين المستمر يتم وضع وتوثيق العمليات والإجراءات والمسئوليات التي تحقق أهداف التوجه الاستراتيجي للمؤسسة ويتم التدقيق عليها داخليا وخارجيا لضمان فاعليتها.
المصدر: موقع موضوع