مقالات

أسباب اندثار الطبقات الوسطى في العالم

بقلم : محمود ملحم

إن الطبقة الوسطى هي التي يرجى منها إحداث الحراك الاجتماعي والتطور الاقتصادي في العالم وذلك بفعل الطموح الذي لديها لتغيير وضعها، ففي القدم كانت الطبقات الوسطى صمام أمان بين الطبقات الفقيرة والطبقات الغنية والهدف منها تشكيل وضع متواز على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي فقد كان الرؤساء والأمراء يعولون عليها للقضاء على الاضطرابات الداخلية وهي السلاح الوحيد التي من الممكن أن يعول عليه لتنشيط الحركات الاقتصادية فان التغير المتواصل الذي أصاب تركيبة الطبقة الوسطى خلال العقود الأخيرة ساهم بشكل كبير في حدوث أزمات كبيرة وما الأزمة الاقتصادية العالمية سوي مثال بسيط على ذلك، ففي مقال نشر للأستاذ د.سامر سليمان في جريدة الشروق الجديد في 10/2/2010، عن خرافة نهاية الطبقة الوسطى خلص الى أن القول بنهاية الطبقة الوسطى ما هو الا خرافة ساذجة تخفي في طياتها هروب شرائح تلك الطبقة من معترك الحياة السياسية والاقتصادية وتبنيها لمفهوم دولة الحد الأدنى التي لا تتدخل الا في أضيق الحدود

والسؤال الذي يطرح: أين هي الطبقة الوسطى؟ فالطبقة التي تنافس الكبار من حيتان السوق والمال والطبقة التي تأخذ بيد الفقراء كي لا يختل دعائم المجتمع فضلا عن أن هذه الطبقة بمعظمها تجار واقتصاديون يعرفون أن المال وسيلة وليس نتيجة فمن المؤكد أن الطبقة الوسطى في العالم هي التي كانت يناط بها حركة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وهي العجلة التي تحرك عربة التطور.

من هنا لابد من الإجابة عن جملة من الأسئلة: هل الغاية من القضاء على الطبقات الوسطى كان بغرض الهيمنة؟ نعم هيمنة الامبراطوريات الوهمية عبر سياسات وهمية اقتنعنا بها ومشينا فيها فقضينا على أنفسنا، فعلى أكتاف هذه الطبقة قامت في السابق الدول وتطورت بسرعة الضوء، فقد كان منهم الرؤساء والوزراء والنواب، كانوا يشعرون ويحسون بالاقتصاد، يعرفون مخارجه ومداخله، أما اليوم فأين نحن من الطبقات المخملية في العالم وكيف تستطيع أن تفهم بأن الملياردير فلان ترأس دولة؟ فهل سوف يتحول الى جمعية خيرية أو مليونير وزير كيف سيكون وضع وزارته؟ أكيد شركة توصية بسيطة سقطت قوام الطبقة المتوسطة من المتعلمين والمثقفين من حاملي الشهادات الجامعية، حيث كان ذلك هو الباب الوحيد لترقي الإنسان من طبقة لأخرى، فنجد أنه بدءا من سبعينيات القرن الماضي أصبح الصعود الاجتماعي يحدث بلا أدنى مجهود فتحققت الثروات السريعة المشبوهة على حساب المجتمعات المتواضعة وأصبح ينظر الى الطبقة الوسطى على أنها فقيرة والفقيرة طبقة مسحوقة ومهمشة لا يستعان بها الا في ظل خزان بشري يغرف منه في الانتخابات أو تجييش الشارع.

لابد من أن تعود تلك الطبقات الى دورها المعتاد.لابد أن تعود الطبقات الوسطى لكي ترتاح المجتمعات، لكي يرتاح من سقطوا بسبب الأزمات فأصبحوا بلا سند ولا معيل.قرروا الهروب على أمل أن ينتهي العمر بسرعة البرق، نسوا أنهم الأساس في الاقتصاد والاجتماع، لابد من مساعدة الطموحين في الطبقات الفقيرة من المثقفين والمتعلمين ومن الطاقات التي لا حول ولا قوة لها الا بالله على تكوين نواة لطبقات تسمع للفقراء وتنقل للأغنياء.لان الزمن الذي وصلنا اليه أصبح فيه فاصل وشرخ واسع وكل من يفكر في الصعود من الأدنى أمامه طريقان إما الجنون أو الانتحار، فلا تكون الأزمة الاقتصادية العالمية عبرة لان الأغنياء لم يستطيعوا السيطرة على آثارها، فاذا كانت هنالك أزمات أخرى لم لا نستعمل خزانا بشريا مهمشا؟! كل ما سوف نفعله هو اعطاء الفرص وعدم الوقوف لمجرد الوقوف.

إغلاق